سياسة

الشرع في أميركا بموجب «استثناء»… وتغليف للعقوبات: الاتفاق السوري – الإسرائيلي «على النار» سوريا

عامر علي - الاخبار

عبر استثناء أصدره مجلس الأمن في 12 أيلول الجاري، وبعد فشل الولايات المتحدة في شطب اسمه من قائمة «الإرهاب»، أمكن للرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، الوصول إلى الولايات المتحدة للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى جانب عقد سلسلة من اللقاءات، عبّر الشرع عن رغبته أن يكون من بينها لقاء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.

واستبق الشرع الزيارة، التي حضّر لها وزير خارجيته، أسعد الشيباني، بإشراف ومتابعة مباشرة من المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس برّاك، بإجراء مقابلات مع وسائل إعلام، من بينها لقاء مع شبكة «سي بي أس»، امتدح فيها الرئيس الأميركي أكثر من مرة على خلفية رفعه العقوبات المفروضة على سوريا (العقوبات غير التشريعية)، واصفاً القرار، الذي تمّ بوساطة سعودية، بأنه «تاريخي وشجاع». وأضاف: «وقفنا إلى جانب شعبنا الذي قُصِف بالأسلحة الكيميائية، وواجهنا تنظيم الدولة (داعش)، وطردنا الميليشيات الإيرانية وحزب الله من المنطقة».

الشرع، الذي قد يزور واشنطن لعقد لقاء مباشر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لتوقيع اتفاقية أمنية وصلت إلى مراحلها الأخيرة، وفق مصادر سورية وتسريبات إعلامية إسرائيلية، جرى التمهيد لمشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة على أنها «إنجاز أميركي»، باعتباره أول رئيس سوري يقدم على هذه الخطوة منذ نحو ستة عقود، حين شارك نور الدين الأتاسي، في دورة استثنائية للجمعية العامة وألقى كلمة فيها بعد «نكسة حزيران» عام 1967.

وفي هذا السياق، أعلن نتنياهو أنّ الاتفاقية الأمنية المزمع توقيعها مع سوريا لم تكن لتتحقّق لو لا «الانتصارات التي حقّقتها إسرائيل ضدّ حزب الله في لبنان، وإحباط المحور الإيراني في سوريا، والمساعدة في إسقاط نظام (بشار) الأسد». وتابع أنّ قوات الاحتلال عزّزت سيطرتها على ما هو أبعد من الجولان السوري، وعلى قمّة جبل الشيخ الاستراتيجية، التي تشترط إسرائيل الحفاظ عليها بموجب الاتفاقية الأمنية المزمع التوقيع عليها.

وتشمل هذه الاتفاقية إقامة منطقة منزوعة السلاح في الجنوب السوري، وتوسيع المنطقة العازلة، وإنشاء منطقة محظورة على الطيران الحربي السوري تمتدّ من أطراف دمشق الجنوبية، وصولاً إلى المنطقة العازلة، بالإضافة إلى «حماية الدروز»، التي أشار إليها نتنياهو صراحة، في إشارة إلى «الإدارة الذاتية» التي باتت تتمتّع بها السويداء، والتي أعلنت رفضها لخارطة الطريق التي تمّ الإعلان عنها قبل أيام، إثر توقيع اتفاقية ثلاثية بين الولايات المتحدة والأردن والسلطات الانتقالية، وتقضي بالعمل على إجراء مصالحة بعد تحقيقات في المجازر التي تعرّض إليها الدروز.

تكشف الشروط المفروضة لرفع العقوبات أنّها مجرد إجراءات شكلية تسمح بإعادة فرضها في أي وقت

وفي سياق العقوبات الأميركية (التشريعية التي تحتاج إلى موافقة الكونغرس لرفعها)، أعلن «المجلس السوري – الأميركي» (اللوبي السوري في الولايات المتحدة)، عن إنجاز صفقة سياسية مع الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس، أفضت إلى إلغاء عقوبات «قانون قيصر» وفق شروط والتزامات تلتزم الحكومة السورية بتنفيذها في أثناء السنوات الأربع المقبلة، على أن يتمّ اتّخاذ هذه الخطوة مع نهاية العام الحالي في إطار إقرار ميزانية وزارة الدفاع الأميركية (NDAA).

ويُعتبر إلغاء العقوبات، الذي تحدّث عنه المجلس، خطوة وسطية بين تيارين أميركيين: الأول يسعى إلى ترسيخ العقوبات ومنع الرئيس الأميركي من منح أي استثناء منها، على أن يُرفع جزء منها بعد التأكّد من تحقيق جملة من الشروط في أثناء عامين؛ والثاني يدفع باتجاه رفعها كلّياً. إذ يتضمّن التعديل الجديد، بحسب ما أعلن رئيس السياسات ومدير الشؤون الحكومية في «المجلس السوري – الأميركي»، محمد علاء غانم، إلغاء العقوبات بشكل مؤقّت لمدة عام، يقدّم خلاله وزير الخارجية تقريراً كل ستة أشهر حول مدى التزام السلطات الانتقالية في سوريا بالشروط الأميركية.

وفي حال فشلت الحكومة في أثناء هذا العام في تنفيذ الشروط، تُعاد العقوبات، على أن يستمرّ هذا الإجراء لمدة أربع سنوات، يرفع عبرها الرئيس الأميركي أو مَن ينوب عنه تقريراً إلى الكونغرس كل 180 يوماً، ليشهد فيه أنّ السلطات «التزمت بالهدف المتمثّل في القضاء على التهديد الذي يشكّله تنظيم داعش والجماعات الإرهابية الأخرى، وعملت بالشراكة مع الولايات المتحدة لتصبح عضواً في التحالف الدولي ضدّ داعش»، و«حقّقت تقدّماً في توفير الأمن للأقلّيات الدينية والعرقية في سوريا، وأنّ لهذه الأقلّيات تمثيلاً في الحكومة».

كذلك، تتضمّن الشروط التأكّد من ألّا تقوم السلطات الانتقالية «بأي عمل عسكري أحادي الجانب ومن دون سبب ضدّ جيرانها، بما في ذلك دولة إسرائيل، وأن تواصل إحراز تقدّم نحو اتّفاقيات أمنية دولية، حسبما يقتضيه الأمر»، في إشارة إلى الاتفاقية المزمع توقيعها مع إسرائيل.

كما يُشترط ألّا تقدّم السلطات الانتقالية، بشكل متعمّد، «تمويلاً أو مساعدات (مالية أو بالسلاح أو بالإيواء) لأفراد أو جماعات إرهابية (بما في ذلك المنظمات الإرهابية الأجنبية والإرهابيون العالميون المدرجون على لوائح التصنيف) الذين يشكّلون تهديداً للأمن القومي للولايات المتحدة أو لحلفائها وشركائها في المنطقة». ويُفترض كذلك التأكّد من أنّها «استبعدت أو اتّخذت خطوات لاستبعاد المقاتلين الأجانب من المناصب العليا في الحكومة السورية، بما في ذلك أولئك الموجودون في مؤسسات الدولة والأمن السورية»، وأن تباشر بإجراء تحقيقات فعلية في الانتهاكات وأن تلتزم بمحاكمة مرتكبيها «بمن فيهم المسؤولون عن مجازر بحقّ الأقلّيات الدينية».

وبينما يوحي التعديل الجديد بأنه خطوة إلى الأمام نحو رفع العقوبات، تكشف الشروط الموضوعة أنّها أقرب إلى إجراءات شكلية تسمح بإعادة فرض العقوبات في أي وقت، ما يعني عملياً تعطيل أي محاولات لتنشيط الاستثمارات في سوريا عبر قنوات غير أميركية. وإذ تشرف الولايات المتحدة، عبر برّاك، على جميع هذه التفاصيل، فإنّ هذا ما يحوّل الرجل الذي يشغل منصب السفير الأميركي في تركيا، إلى قائد فعلي ومحرّك مباشر لمختلف التطورات السياسية والاقتصادية، وسط موافقة معلنة من أنقرة، التي ترى فيه شخصية مقرّبة منها، وخضوع تام من السلطات الانتقالية، التي لا يزال معظم مسؤوليها، بمن فيهم الشرع نفسه، مدرجين على لوائح الإرهاب الأممية.

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى